وليد الوصيف .
للرأي العام أهمية عظيمة جداً ، بشرط أن يكون مُفعل بالشكل السليم ، الاهتمام
بقياسات الرأي العام يعود لعام 1824 عندما قامت مجلة " الخلاصات الأدبية
" بعمل استفتاء حول الكثير من القضايا والسلع ، لكنها كانت ينقصها الدقة
لأنها تعتمد على عينات من قوائم أصحاب السيارات ودفاتر التليفونات فقط ، وليس
الجميع لديهم سيارات وتليفونات آنذاك ، ولذلك كانت الاستفتاءات غير ممثلة عن
المجتمع .
نجاح الرأي العام يتطلب شيئان في غاية الأهمية ، الأول لقاء الحاكم بشعبة
مباشراً ، ولابد أن يكون اللقاء مع عينات من البشر تمثل الشعب بحق لا من طبقة
بعينها ، الثاني هو تجمع بيانات من صحائف استطلاع متخصصة وأمينة في النقل وإطلاق
بعض الأشخاص الصادقين المحبين للوطن والمقربين من الرئيس للتعرف على أحوال الناس
وأرائهم بشكل مباشر وغير مباشر ، فكما شاهدنا في فيلم " طباخ الريس " كان
دور الطباخ في نقل نبض الشارع أهم وأفضل من دور الحكومة بأكملها ، وبالطبع هذا لا
يحدث إلا إذا كان الرئيس لدية نية الإصلاح والقدر الكافي من الوطنية .
هناك نموذج رائع ومتميز في الدول العربية وربما منفرد وهو السلطان "
قابوس بن سعيد " في سلطنة عمان ، كان يقوم بجولة مدتها شهر كامل من كل عام
يصحب خلالها معظم أعضاء مجلس الوزراء ويقوم معسكر في كل منطقة يصل إليها ، يلتقي
بالناس ويسمع مشاكلهم وعلى الفور يأمر الوزراء بحل المشاكل وتوضيح وتبسيط بعض
المفاهيم الصعبة للجمهور ، ولذلك كانت أهمية وجود معظم أعضاء مجلس الوزراء معه ، كانت
اللقاءات لتعميق الوحدة الوطنية بين القائد والمواطن وتوصيل مشاكل المواطن للسلطان
بشكل مباشر دون أي رتوش ، هذا ما جعل الجمهور يلتف حول السلطان ويدعم كل قراراته ،
كانت هذه الجوالات غير مكلفة لأنها كانت تتم بالطابع العماني البسيط ، حتى عام
1991 كانت تتم على أرض مفروشة بالحصير حيث
يجلس الشيوخ والأعيان وجموع المواطنين في صفوف والسلطان يجلس بينهم ، وبعد ذلك في
عام 1992 بدأ استخدام الكرسي وفي كل الأحوال النقاش كان يدور حول الأمور المتعلقة
بمصلحة الوطن والمواطن على حد سواء ، كانت هذه اللقاءات بمثابة برمان مفتوح بين
الشعب والسلطان ليلبي مطالبهم ويستمع لأرائهم .
في عام 1935 انتقل الرأي العام من مرحلة التكهن إلى مرحلة العلم ، عندما
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء " معهد جالوب لقياس الرأي العام
" الذي له فروع في أنحاء العالم بأسماء مختلفة الذي نجح نجاح وصل لحد الغرور
عندما نجح في التنبؤ بانتخابات الرئاسة ، حتى عام 1948 فشل عندما فشل في تنبؤات
الرئاسة أيضاً وتعرضت عمليات قياس الرأي العام لهجوم عنيف ولكن سرعان ما عادت له
الثقة مرة أخرى .
في الستينيات من القرن الماضي كان هناك انطلاقاً حقيقياً في نفس المجال تَمثل
في امتداد هذا النشاط العلمي إلى الدول الشيوعية التي أنشأت هيئات علمية ومراكز
لبحوث الرأي العام ، في كثير من دول العالم الثالث في هذا التوقيت والتي زالت مع
بداية عام 1989 بداية انهيار المجتمعات الشيوعية .
في مصر ما أكثر من قنوات قياس الرأي العام ، في كل وزارة مركز معلومات ، وكثير
من المراكز البحثية المعروفة ، ومواقع انترنت ومواقع إذاعية وتليفزيونية ، ولكن
تبقى إشكاليات قياس الرأي العام أكبر وأكثر من كل هذه الوسائل ، فكل قياسات الرأي
العام سواء في مراكز بحثية رسمية متخصصة أو قنوات " بير السلم " تعمل
بطرق التخمين والتجربة لا بطرق علمية تخضع للشفافية المطلقة ، فكل القياسات تخرج
دائماً إما لإرضاء الحكومة أو الرئيس أو التعبير عن رأي القائمين على إدارة هذه
الوسيلة ، وأحيانا يكون القياس دون أي تلاعب ولكن لا يجوز أن نأخذ به على سبيل
المثال نجد استطلاع رأي على قضية محورية ويخرج رأي معين بنسبة 55% ونجد مُجمل من
أدلوا بأصواتهم مائة شخص في دولة تجاوزت 94 مليون نسمة .
قياسات الرأي العام دليل على الديمقراطية ولكنها تشترط العلم والحياد ،
ودونها لن نتقدم ، ويبقى نموذج السلطان " قابوس بن سعيد " هو الأدق
والأصح ولذي يجب أن نعمل به حتى نصل إلى طرق علمية متطورة تستطيع أن تجمع الآراء
من أنحاء الجمهورية .
نثق في وطنية الرئيس ونلتف حوله ، ولكن لا نثق في عقل مستشاريه ومصدر
معلوماته ، لو تم تفعيل قياسات الرأي العام بشكل سليم ما وجدنا ما نحن فيه من غلاء في المعيشة وعجز
في الموازنة وعجز في السكر والدواء والقمح والذرة ..... الخ ، لو تم قياس الرأي
العام على ما قام به سيادة الرئيس من مشاريع لوجدنا الرأي السليم ربما هو تأجيل
الكثير مما قام به ووضعه في الأجندة ولكن في قائمة المهم لا في قائمة الأهم ،
سيادة الرئيس نعم تُقدم المُهم ولكنك أهملت الأهم بالطبع دون قصد , ولكن بفضل مستشارين
لا خبره لديهم تليق بحجم مصر ، وبفضل فشل قياسات الرأي العام . لذي أقول لسيادتكم إن لم
تهتم بقياس الرأي العام السليم ، سوف تظل مشاريعكم بعيدة عن احتياجات المواطنين ،
وهذا ما لم يتحمله الشعب كثيراً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التعليق على مسؤولية صاحبة