وليد الوصيف
أتقدم بالتعازي في كل الشهداء أولاً ، لا أستثنى أحد ، كل الشهداء مصريين
، لا فرق بين شرطي أو مدني أو مجند كلهم منا ، فلا داعِ لسماع كلمة " إشمعنا
" هذه الكلمة التي تتردد كثيراً عبر القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي ، كلمة
موجعه ، تُعد شرارة من ضمن شرارات تسعى لتقسيم مصر ، نعم كل الدم حرام ، وكله
مرفوض ، والقاعدة المتحضرة والمطلوبة هي " القانون " .
لا ذرة شك ، إذا غاب القانون ، ومات ضمير القاضي ، فنحن على أعتاب دولة
الغابة ، التي لا ترحم لا قوي ولا ضعيف ، وكل من فيها مصيره الموت ، ومن يعيش لن
ينعم بالعيشة بل يعيش كما ذئاب الجبل " مغمض عين ومفتح عين " فلا راحة
ولا مستقبل ولا أمان ولا مجال لمجرد الحلم .
ولكن كيف ونحن منذ 25 يناير نستيقظ في كل صباح على تفجيرات وأشلاء هنا
وهناك ، كما لو كنا بالفعل نعيش في الغابة ، شهداء، وجرحى ، وخراب اقتصادي ،
واغتصاب فتيات ، وسرقة بيوت وسيارات وشركات ، دون أن نعرف من هم المجرمين ، والقلة
التي تم القبض عليها ، تنعم في السجون ، تأكل ، تشرب ، تعيش أفضل من عيشة الجبال والأنفاق
، أفضل من عيشة الهاربين من العدالة ، دون أن نسمع فيهم حكم المحكمة ، ومن يتم
الحكم عليه نراه حكم لا يُرضي أهالي المجني عليه ،
كل يوم جديد شهداء جدد ، وفجعه جديدة ، وحسرة جديدة للشعب المصري بأكمله
وليس كل هذا ودمتم ، بل مع كل شهيد جديد نجدد الحزن على شهداء الأمس ، نجدد أحزان
أسرهم ، وأحزان كل المصريين ، ولذلك غابت الابتسامة من وجوه المصريين أصبحنا
مصريين جدد ، أصبحنا نبكي على النكتة ، ونخشى الغد ، ونفقد الأمل في الفجر الجديد
.
بعض الدول تقسمت بالفعل لقسمان وثلاثة ، أما نحن انقسمنا في غرف البيت
الواحد ، فينا من يرى أن الشرطة تنتقم من الشعب ولكن بطريقة جديدة ، تقتل القتيل
وتمشي في جنازته ، وهي من قتلت " شيماء الصباغ " وجعلت الإخوان الشماعة
التي تحمل كل جرائمهم ، وفينا من يرى أن الإخوان بالفعل هم من قتلوا شيماء ، وفين
من يرى أن الحزب هو من قتلها من أجل دعاية انتخابية كما لو كنا وحوش لا تعلم شيء
عن وجود الله ، وكأن الخلود في الدنيا نزل به آية جديدة ، وأنا هنا لست محلل
للمشهد الذي أبكى العالم العربي بأكمله ، ولكني هنا لتحميل الأيادي الرخوة كل
المسؤولية ، أين الجناة ؟ لماذا لا تقم الشرطة بواجبها ؟ إلى متى سيظل القتل
بالمجان ؟ والقاتل مجهول ؟ والمقتول حاصل على صك الشهادة الذي أصبح هو الأخر يوزع
بالمجان ؟ إلى متى سيظل القانون عقيم وعاجز وبطيء ؟ والمناشدة في كل كبيرة وصغيرة
للرئيس الجمهورية ؟ إلى متى ستظل مصر بلد الفرد الواحد " الرئيس " ؟
أسئلة لا تنتهي لأنها لا يجاب عنها منذ سنوات طويلة ، أسئلة كلها كانت واضحة على
جبين كل ثوار 25 ، 30 ، ومازلنا واقفين في انتظار النور في انتظار فجر جديد وغد
يدل على أننا قمنا بثورتان .
" ليست شيماء وحدها ولكن "
نقف عند شيماء لسبب وحيد وفارق ، " أنثى " من متى والأنثى تقتل
في مصر ؟ هل هذا ليس عار علينا جميعاً ؟ ننزف دماء محل الدموع ، ونثور ونذهب
للميادين ، ونكتب شعارات عندما يسقط قتيل رجل ، ونفخر بأنه شهيد ، ونردد بأننا
صامدين في مواجهة الإرهاب ، ولكننا مع شيماء عاجزين حقاً على كتابة الشعارات
والوقوف في الميادين ، لأنها انتقلت شهيدة ولكنها حمالتنا جميعاً العار والكسوف
والخجل من أنفسنا أولاً ومن ثم العالم ، لسنا في صدد البحث عن إرهابي أو قاتل أو
مجرم أيَّنْ كان انتماءه ، نحن نبحث هنا عن خسيس ، نذل ، جبان ، معدوم الرجولة ،
معدوم المروءة ، معدوم الإنسانية ، لأنه إن فُرض جدلاً أن هؤلاء القاتلة أصحاب
قضية ، فما قضيتهم مع شيماء أو أي أنثى مصرية ؟ نحن نبحث عن رد شرفنا ، نبحث عن من
لبسنا العار والضعف والخجل ، أرى أن شيماء
سوف تكون أيقونة صرخة وثورة جديدة إن لم تُحسم قضيتها بشكل عادل وسريع ، لأنه
باختصار إن لم تُحسم قضيتها فالشعب سوف يحسم قضية أخرى ، ألا وهي قضية ضعف كل
الجهات التنفيذية والأمنية في هذا البلد ، وإذا وصلنا لذلك فلا حل غير التغير ،
نعم نريد القصاص من الجاني في قضية شيماء وكل قضايا الشهداء ، نريد القصاص من كل
متكاسل مهمل جالس في منصب لا يقدر حجمه ، نريد القصاص وإن لم تستطيعوا فأمامكم باب
الرحيل من مناصبكم مفتوح ، لن نُطبل لأحد مهما كن معه على حساب الدم والوطن ، لن
نيأس ، شهادة نصف الشعب ثمن قليل في سبيل النهوض والاستقرار لهذا البلد ، نحن كنا
أثناء قيام الثورة لسنا أعداء لمبارك ولا لمرسي بشكل شخصي ، كنا أعداء الظلم
والفساد والإهمال والذل والقهر ، وإلى الآن رغم إيماني بالرئيس إلا إني لا أرى
جديد يتناسب مع ثورتان عظيمتان , شيماء ترسل لكم عن طريق الثوار رسالة واضحة ، إما
أن تستقيموا إما أن تستقيلوا ، إما أن تعملوا إما أن ترحلوا ، أللهم إني قد بلغت أللهم
فاشهد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
التعليق على مسؤولية صاحبة